طائرة دون طيار – الثورة في البناء والإعمار
محتوى المقال
شهدنا في الآونة الأخيرة العديد من أشكال الطائرات دون طيار حول العالم وكثير من مجالات العمل التي تدخل فيها، فبعيدا عن استخدامها في المهام العسكرية والتجسس وغيرها من المهام الخفيفة التي تناسبها طبعا وفقا لحجمها الصغير، لكن الآن العلم والتطور في هذا المجال يبحث ويعمل على أن تدخل طائرة دون طيار (طائرات الدرون) في مجال أوسع ومفيد أكثر، ألا وهو مجال البناء والإعمار.
كما نعرف أن بناء المباني المرتفعة كالأبراج وغيرها تتطلب الكثير من الجهد والعمل، بالإضافة إلى أنها خطرة وتتطلب الكثير من المعدات والآليات الضخمة، كما أنها تحتاج إلى مبالغ كبيرة وأيادٍ عاملة كثيرة وقد تؤدي إلى فقدان حياتهم. فلو دخلت هذه الطائرات هذا المجال ستسهل علينا الكثير من الأمور وليس هذا وحسب، فإذا نجح العلماء والمطورين في هذا الأمر فممكن مستقبلا أن توفر هذه الطائرات فرصًا لعمليات إنقاذ ناجحة عند الفيضانات أو الزلازل أو ما شابه من حوادث الطبيعة وحتى الحوادث البشرية، وقبل أن ندخل في تفاصيل هذه الطائرات والتجارب التي تقام من أجل تطويرها دعونا أولا نتعرف أكثر على هذه التكنولوجية ألا وهي الدرون.
طائرة دون طيار
في العادة عندما تسمع كلمة طائرة يتبادر إلى ذهنك الطائرات العملاقة الحربية والمدنية التي تقل المسافرين وغيرها من الطائرات المعروفة، لكن ما نتحدث عنه هو طائرة من دون طيار، وبمسمى ثانٍ الطائرة المسيرة، وبمسمى ثالث الدرون، وبمسمى رابع الزنانة!
هذه الطائرة لا تحتاج إلى العديد من الأجهزة والمعدات كالطائرات التقليدية، بل حتى أنها لا تحتاج إلى طيار، ولا يتم تحميلها العديد من المعدات الثقيلة رغم إنها استخدمت كثيرا للمهام العسكرية وحمل القذائف والتجسس، لكن أيضا استخدمت للأعمال المدنية، مثل مكافحة الحرائق ومراقبة الأنابيب. كما أنها سهلت العديد من المهام التي كانت تنجز بالطائرات التقليدية والتي كانت تكلف جهدًا ومبالغ مادية ضخمة بالإضافة إلى الخطورة، فالطائرة دون طيار توجه عن بعد أو تبرمج مسبقاً على الطريق الذي تسلكه أو المهمة التي تقوم بها.
أول التجارب للطائرة دون طيار
قامت إنجلترا بأول تجربة عملية سنة 1917 ومن ثم تم تطويرها سنة 1924 كأهداف متحركة للمدفعية، وكانت بداية فكرة الطائرة بدون طيار عندما سقطت طائرة التجسس الأمريكية (U-2) عام 1960 فوق روسيا ومشكلة الصواريخ الكوبية سنة 1962، وكان أول استخدام لها عمليا في حرب فيتنام.
أنواع الطائرات دون طيار
لا توجد أنواع كثيرة من هذه الطائرات لكنها تنقسم إلى قسمين من حيث القيادة:
- الطائرة ذات التحكم عن بعد: حيث يكون التحكم في هذه الطائرة عن بعد من خلال غرفة خاصة أو جهاز خاص.
- الطائرة ذات تحكم ذاتي: في هذه الطائرة يتم استخدام الذكاء الاصطناعي مثل الإكس 45 لشركة يوينغ (Boeing X-45)، هذا النوع يمتلك ذاتية أكبر في اتخاذ القرارات ومعالجة البيانات.
ويتم تقسيم هذه الطائرات على حسب المهام التي تقوم بها، فهناك الطائرات التي تستخدم في المهام العسكرية خصيصا كالتجسس والمراقبة وهذا الجزء الأكبر منها، ومنها المقاتلة، ومنها ما تستخدم للغرضين. هذه الطائرات تكون بحجم أصغر من الطائرات العادية وتعتمد على طرق طياران مختلفة، ومنها ما يمتلك أسلوب المنطاد، ومنها المحرك النفاث، ومنها ما يدفع عن طريق المراوح.
استهلاكها للوقود
بقياس بسيط فوقود 200 طيارة من دون طيار يساوي رحلة واحدة من طائرة أف–4 فانتوم الثانية من نفس المسافة ولنفس الغرض.
النوع المطور للإعمار
الآن بعد أن تكلمنا في التفصيل عن الطائرات دون طيار، نأتي إلى النوع المطور أو بتعبير أدق النموذج الذي يعمل على تطويره العلماء والمخترعون في المختبرات، هذه الطائرات مستوحاة من الحشرات ويعمل على هياكل طباعة ثلاثية الأبعاد، تقوم من خلالها ببناء مجسمات صغيرة، وبالفعل فقد نجح زوجان من الطائرات دون طيار ببناء برج أطول من الإنسان في أول تجربة، فقد أظهر المهندسون هذه الطريقة من الطباعة ثلاثية الأبعاد في المختبر، وشاركوا نجاحهم في 22 سبتمبر.
وفي هذا يقول “ميركو كوفاتش”، الذي شارك في قيادة البحث، إنه استلهم هذا من الحشرات، ويقول إن الدبابير رائعة، فهذه الحشرات تعمل معا على شكل أسراب لبناء أعشاش لها أكبر.
التجربة المختبرية
لعمل طباعة هذا البرج وليكون بحجم الإنسان حملت هذه الطائرات مادة موسعة، وهذه المادة تتوسع وتتصلب بسرعة بعد أن ترش، وتقوم الطائرة بالتحليق بدائرة بطيئة، ثم تقوم برش المادة إلى الأسفل لتشكل طبقات، وعندما تنفد المادة يمكنها أن ترجع للتحميل من جديد أو تستبدل بطائرة أخرى أو حتى تغيير البطارية.
وكان هناك تنسيق تام في التجربة بين أكثر من طائرة، فالمادة التي تستخدم ذات كثافة غير متساوية، لذلك بعد أن تضع الطائرة الأولى المادة وترجع للتحميل، تقوم طائرة دون طيار ثانية بمسح العمل بحثا عن الأماكن التي تكون فيها الطبقة الأخيرة رفيعة أو سميكة، ثم تقوم بإنشاء خطة للطبقة الثانية لكي تساعد في تسوية الأمور، وبالتالي يبقي البرج مستقيما وقويا.
لكن هذا لم يكن كافيا بالنسبة إلى الفريق الذي أجري التجربة مع أن البرج كان رائعا، لذلك في العرض التوضيحي الثاني، عملت الطائرات معا لصنع أسطوانة بحجم وشكل كعكة مستديرة وكبيرة، وكان هذا الاختبار فائق الروعة وذلك لأن الطائرات استعملت فيها مادة تشبه الإسمنت بدقة شديدة.
هذه المادة التي كانت تشبه الإسمنت هي مميزة أيضا، فقد عمل على صياغتها الباحثون في جامعة باث في إنجلترا خصيصا من أجل المشروع، لأنه كان يجب أن يكون خفيفا حتى تتمكن الطائرات من حمله بسهولة، وأيضا يتصلب بسرعة ليكون طبقة قوية، وبالفعل نجحت الطائرات في هذا أيضا فقد وضعت المادة في مسار ملتو جعل الهيكل أقوى.
ليس هذا وحسب فقد قام الباحثون بالعديد من العروض الافتراضية، في أحد هذه العروض حلقت الطائرات دون طيار في مسار بناء قبة لكن من دون أن تطبع المواد، كما كان هناك محاكاة حاسوبية في كيفية عمل فرقة مكونة من 15 طائرة دون طيار تعمل معا في بناء أنواع مختلفة من الهياكل. وقد أشاد بها العديد من العلماء والميكانيكيين.
هل يمكن استخدام الدرون في البناء؟
ممكن أن تساعد مستقبلاً هذه الآلات في البناء أو في إصلاح الأماكن التي يصعب الوصول إليها. لكن مع هذا لا يزال هناك الكثير أمام الباحثين من تحديات يتعين عليهم حلها قبل أن تصبح طائرات الطباعة ثلاثية الأبعاد عملية في العالم الحقيقي.
مع أن هذه الطائرات دون طيار قامت ببناء هياكل لكنها داخل المختبر، فهي لم تتعرض إلى الريح أو الاضطرابات الخارجية، بالإضافة إلى أن الكاميرات الموضوعة حول الغرفة تساعد في تتبع مواقع الطائرات دون طيار، وإرسالها على طول المسارات الصحيحة.
لذلك، في الهواء الطلق سيتعين على الطائرات دون طيار أن تحلق من غير هذه المساعدة، وكلما زاد عدد الطائرات دون طيار تزداد كمية المعلومات والعمليات الحسابية، للحفاظ على التنسيق بين الطائرات، فإذا استغرق هذا الحساب وقتا طويلا عندها لن تتمكن الطائرات من الحصول على المعلومات التي تحتاجها، لكن مع العمل يمكن حل هذه المشاكل.
وبالفعل يخطط (كوفاتش) لإجراء اختبار في الهواء الطلق، كما يفكر ببناء هياكل تكون أكثر تعقيدا، ويخطط لذلك حتى تتمكن الطائرات دون طيار من إعادة الشحن والتحميل تلقائيا.
إذا تمكنت مستقبلا هذه الطائرات دون طيار من العمل معا كالنحل والدبابير، عند ذلك يمكنها تشييد المباني وإصلاح الأماكن التي يصعب على البشر والآلات الثقيلة الوصول إليها. ليس هذا فقط، بحسب قول العلماء والمهتمين فقد يشمل هذا حتى مناطق الحوادث أو قمم المباني المرتفعة، أو حتى أبعد من ذلك كالكواكب الأخرى! فهناك اهتمام كبير في البناء على المريخ من خلال الآلات والروبوتات وطائرة دون طيار.